ارتقِ بتفكيرك (التفكير الراقي )

تشكّل اللوجستيات غير الكفؤة والتي تستغرق وقتاً طويلاً أحد أكبر محرّكات الكلفة للأعمال في مجال استرداد الموارد من الفضلات/النفايات والمياه العادمة. هذا هو الحال عند توفير الخدمة من الباب إلى الباب في مدينة ذات كثافة سكانية مرتفعة أو في المناطق الريفية حيث تطول المسافات بين العملاء. قد تستفيد الأعمال التي تجد نفسها تعاني من تكاليف من هذا النوع من إعادة دراسة اللوجستيات لديها أو نمذجة خطّة عملها ككل بحيث تركّز على المزيد من الشراكات الاستراتيجية والتي يمكنها من خلالها الحصول على كميات كبيرة من المدخلات؛ مثلاً: من محلات السوبرماركت، المستشفيات أو المدارس. تركّز استراتيجية التفكير الراقي على الارتقاء بلوجستيات أنشطة جمع الفضلات/النفايات إلى المستوى الأمثل من خلال المزيد من الشراكات الاستراتيجية وفي الوقت ذاته الحفاظ على الجودة ذاتها للخدمة.

في أغلب الأحيان، تعاني المنشآت العاملة في قطاع تقليل من استخدام الموارد واسترجاعها وإعادة استخدامها أوفي قطاع اللوجستيات العكسية في إدارة النفايات في سعيها للحصول على النفايات/الفضلات من مصدر ينتج كميّات ثابتة من الفضلات/النفايات (النويران، 2020). في بعض الحالات، تقوم المنشأة بالتعاقد مع شركة تعمل في جمع النفايات للقيام بأنشطة جمع النفايات بالنيابة عنها مقابل رسوم معيّنة. في حالات أخرى، تغطّي المنشأة مجمل دورة الحياة التي يمر بها المُنتَج وخطواتها: من جمع المادة الأولية (في هذا الحالة النفايات من المكان الذي تحدث فيه)، إلى فرزها ومن ثمّ معالجتها وبيع المُنتج المُستخلص أو المُعاد تدويره إلى المستخدم النهائي. يتعيّن على هذه المنشآت أن تستثمر بكثافة في جمع النفايات سواء كانت تدفع رسماً ما مقابل خدمة جمع النفايات أو تهتم هي نفسها بهذه الأنشطة. قد يُصبح هذا الأمر عائقاً أمام المنشأة عندما تحاول جعل نموذج عملها مجدياً من الناحية الاقتصادية (DAS, S. and BHATTACHARYYA, B., 2015 ). تعتمد الموارد التي تُنفق على اللوجستيات ذات الصلة اعتماداً كبيراً على حجم عمل الشركة وسياق عملها بالإضافة إلى نوع النفايات/الفضلات التي تجمعها.

في ورقة الحقائق هذه، سوف نستكشف استراتيجية التفكير الراقي كخيار ابتكاري لرفع مستوى اللوجستيات إلى المستوى الأمثل.

ما يميّز هذه الاستراتيجية هو تركيزها على الحصول على كميات كبيرة من النفايات/الفضلات بالإضافة إلى إنشاء شراكات استراتيجية. تخفض أنشطة استرجاع النفايات التي تتم على مستوى عال من التكاليف ذات الصلة بالإضافة إلى توفيرها لفرص كبرى لتوليد الإيرادات والانتشار في السوق مقارنة بمجرد الاكتفاء بتقديم خدمة من الباب إلى الباب.

على سبيل المثال، يتطلب جمع النفايات الصلبة من منازل الأسر كلُّ على حده ضمن بلدية ما لوجستيات مرتفعة الكلفة بسبب الاضطرار إلى التوقف في نقاط متعددة بالإضافة إلى المشاوير العديدة والتفاعل المحتمل مع العديد من العملاء. أما جمع الكمية ذاتها من النفايات العضوية من 5 أو 10 محلات سوبرماركت كبيرة، فيتطلب عدداً أقل من المشاوير ويخفض التكاليف ذات الصلة وفي الوقت ذاته ربّما تحصل على نفايات أنظف.

يمكن أن يساعدك حصر مصادر النفايات حيث تستطيع جمع كميات كبيرة منها أو من المدخلات الأخرى في الارتقاء بنماذج عملك إلى المستوى الأمثل بطريقتيْن اثنتيْن:

• خفض تكاليف النقل اللوجستية المباشرة
• التخفيف من الجهود لضمان حصولك على النوعية المطلوبة

لرفع مستوى هذه المدخرات والاستفادة منها، عليك أن تعيد تعريف شراكاتك الحالية أو بناء شراكات جديدة لتأمين عملية التزويد المستمر. عليك أن تتذكر أن التركيز على بضعة شراكات فقط يمكن أن يفرض مخاطر على نموذج عملك أيضاً. إذا كان العمل يعتمد اعتماداً كثيفاً على الحصول على  نوع معيّن أو كمية أو نوعية من المدخلات التي تمنحها لك الحكومة المحلية، البلدية أو شريك آخر وتوقف هذا الحصول أو تقلّص، قد يفرض مخاطر على استدامة العمل ككل. لذا، يعتبر الحفاظ على شراكات سليمة مع هؤلاء الشركاء الرئيسيين واجباً مُهمّاً لإدارة المخاطرالمتصلة بالاعتماديات على مصادر أقل للنفايات/الفضلات.

بدلاً من البحث عن المصادر ذات الكميّات الضخمة، يمكنك أيضاً البحث في إنشاء أنظمة توصيل (شحن) تسمح لك بخفض التكاليف من خلال التقاط النفايات من عدد محدود من نقاط الجمع. يمكن تطبيق هذه الاستراتيجية أيضاً على أنظمة جمع نفايات البلدية التي تعتمد حالياً على خدمة الباب إلى الباب مقابل رسوم. يمكن خفض تكاليف جمع النفايات خفضاً كبيراً من خلال تحويل نموذج عمل استرجاع الموارد بحيث يستخدم عدداً محدوداً من نقاط الجمع المحددة حول المدينة/البلدة. في الوقت ذاته، عليك أن تتأكد من توفير الحوافز الكافية لإشراك الأفراد وجعلهم يتخلصون من نفاياتهم بوضعها في نقاط التجميع المحددة.

تتباين هيكلية الكلفة لعملك بالاعتماد على حجم هذا العمل والمدخلات التي تجمعها بالإضافة إلى السياق الذي تعمل فيه ومدى تطبيقك للاستراتيجية. من ناحية أخرى، يمكنك أن تتوقع انخفاضاً ملحوظاً في تكاليف جمع النفايات حيث أن عدد الأفراد والوقت وموارد النقل (بما فيها الوقود) التي قد يحتاجها عملك ستكون أقل. غير أن الحصول على المدخلات بكميات ضخمة قد يعني أن نوع النقل اللازم لجمع النفايات قد يستدعي إعادة النظر فيه (قد تدعو الحاجة إلى تغيير نوع شاحنات جمع النفايات). قد يتطلب هذا استثماراً إضافياً في الموارد الماديّة (الطبيعية). يمكن أيضاً خفض التكاليف المرتبطة بـ الاتصال  على نحو كبير بالاعتماد على نوع وعدد الشركاء لديك. إذا انتقلت من خدمة باب إلى باب التي يشكل فيها الاتصال  مع كل أسرة على حده عنصراً مهمّاً لضمان قيام العملاء بفرز نفاياتهم بشكل سليم واخترت الحصول على مدخلاتك بكميات كبيرة من الأماكن التي تقوم بفرزها فعلاً في إطار عملياتها، يمكن – عندها – خفض تكاليف الاتصالات. كما ذكر من قبل، قد يُفضي الاعتماد على شراكات أقل تحصل منها على مدخلاتك إلى رفع تكاليف الأنشطة المتصلة بعلاقات العملاء. لربما لا يكون هذا هو واقع الحال إذا كان الشريك يستفيد استفادة كبيرة من خدمتك ولا يوجد لك منافسين أو أن عددهم قليل إن هم وجدوا.

كومبوست بلدي منشأة لبنانية اجتماعية تعمل في إدارة النفايات وقد تأسست في 2017 استجابة لأزمة النفايات المتواصلة في بيروت. يتلخص عمل المنشأة الرئيسي في إعادة استخدام النفايات العضوية وتوفير حلول إدارة النفايات لمختلف مستويات العمل وأحجامه. تقوم المنشأة حالياً بالتعاقد مع شركة متخصصة للقيام بأنشطة جمع النفايات والتي تقوم بجمع النفايات من مختلف النقاط في المدينة. أثبتت هذه الطريقة أنها أكثر كفاءة من حيث الكلفة للشركة الفتيّة حيث إنها تمكّنها من التركيز على أنشطتها الرئيسة التي تشمل تصنيع الكومبوست وبيعة بالإضافة إلى منتجات أخرى من الموارد المسترجعة. تسعى المنشأة الآن إلى التركيز بشكل أكبر على العملاء الاستراتيجيين الذين يشملون مؤسسات تجارية والصناعات التحويلية للمنتجات الزراعية حيث تحصل المنشأة على مصادرها من النفايات الناتجة لدى هؤلاء الشركاء.  قد يكون هؤلاء العملاء شركاء استراتيجيين أيضاً حيث إنهم ينتجون كميات أكبر من النفايات من المرافق ذاتها ما يعني أنها ستحتاج إلى جولة واحدة فقط لجمع النفايات. يعتبر كومبوست  بلدي مثالاً على استراتيجية التفكير الراقي في عملية إعادة تشكيل نموذج العمل . لقد أدركت المنشأة أنه من المنطق لها أن تلجأ إلى المصدر للحصول على المادة الرئيسة لعملها (النفايات) من العملاء الذين ينتجون الكميات ذاتها من النفايات أو حتى أكثر مما تنتجه 1000 أسرة منفردة أو 100 نقطة صغيرة تنتج النفايات. إذا واصلت المُنشأة التعاقد مع جهات أخرى للقيام بأنشطة جمع النفايات، سوف يعني هذا أن مستوى الخدمة الذي تتطلبه كومبوست  بلدي سيكون أقل بكثير وفي الوقت ذاته سوف تحصل على نفس الكمية من النفايات. إذا توقفت المنشأة عن التعاقد مع جهة خارجية للقيام بأنشطة جمع النفايات، فإن كمية الموارد اللازمة لجمع النفايات لن تكون مرتفعة جداً ما يتيح فرصة أكبر لشركة استرجاع الموارد لتكون شركة ربحية. 

كومبوست  بلدي  في الواقع العملي. المصدر: كومبوست  بلدي

 فابريك إيد FabricAid  منشأة اجتماعية مقرّها في لبنان وتقوم بجمع الملابس المستعملة وتفرزها وتنظّفها قبل بيعها بأسعار ضئيلة للأشخاص الأقل حظّاً. إنها مثال جيد على استراتيجية "التفكير الراقي" لأنها تجمع الملابس من مصادرها بكميات كبيرة وقد دخلت في شراكات استراتيجية لتأمين الحصول على المدخلات وخفض التكاليف المرتبطة باللوجستيات. تمتلك المنشأة عدّة حاويات حول المدينة حيث يمكن للأشخاص الذهاب إليها ووضع الملابس التي لا يريدونها كما تشتري الملابس المتبرّع بها من المنظمات غير الحكومية. لدى المنشأة أيضاً شراكات استراتيجية مع الشركات والمنظمات لتأمين الحصول على الملابس بشكل موثوق. خفض تكاليف اللوجستيات يعني أنه بالإمكان الحفاظ على أسعار الملابس على مستوى منخفض جداً للعملاء وبالإمكان إنفاق المزيد من الموارد على تحسين نواحي العمل الأخرى. ترفع FabricAid من قيمتها من خلال إحداث أثر اجتماعي وبيئي ايجابي حيث إنها توفر للأشخاص الأقل حظّاً ملابس ضمن قدرتهم الشرائية وتسهم في التخفيف من نفايات المطامر من خلال إطالة فترة استخدام الملابس.

FabricAidفابريك إيد المصدر: منتدى المنشآت (2018)