تخلّص من محرّكات التكلفة

هناك الكثير من الخطوات التي يتعين على الشركة الناشئة أن تأخذها بالحسبان عند إنشاء نموذج العمل الذي يلبّي احتياجات العملاء بشكل فعال. يجد الرياديون الشباب تحديداً ممّن لا يملكون شبكة واسعة النطاق من العلاقات أو فهماً لقطاعات العمل أنفسهم مضطرين لتأدية مجموعة متنوعة من المهام الخاصة بـ سلسلة القيمة للتأكد من الوصول إلى النتيجة المرغوبة في عملية الإنتاج أو العمليات اللوجستية الخاصة بعملهم. قد يثبت لهم وبسرعة أن بعض هذه الخطوات مكلفة سواء من حيث المواد أو الوقت المستثمر ما يجعل الشركة الناشئة تعاني مشاكل/عثرات مالية قاسية. من المفيد لك بصفتك ريادياً أن تقدّر وتقيّم بانتظام أنشطة الإنتاج لديك و/أو اللوجستيات لتحديد تلك الأنشطة التي بالإمكان تنفيذها عن طريق أطراف خارجية أو دعمها بالهياكل القائمة حالياً أو حتى إلغاؤها بالكامل. 

عندما يتم العمل على تطوير فكرة عمل جديد، يشعر المؤسسون الشباب وكأنهم غارقين في العديد من الخطوات والعمليات والسلاسل التي يتعين عليهم ضبطها جميعاً في الوقت نفسه. وسرعان ما يُصبح العمل الناشئ مثقلاً بالأعباء ويفقد رؤاه للهدف الرئيسي الذي وجد من أجله ألا وهو: توفير مُقتَرَح قيمة ممتازاً لقاعدة عملائه وإنماء سوقه. لماذا؟ فقط لأن على هذا العمل بناء آليات لإدارة سلسلة المهام الشاقّة بنفسه دون وجود شبكة عمل احترافية تتحدث باسمه وفي الوقت ذاته السعي الحثيث إلى الارتقاء بمنتجه أو خدمته إلى المستوى الأمثل.

  يمكن أن يُفضي هذا الوضع وبسرعة إلى عدم رضا العملاء وفي الوقت ذاته فرض عبء مالي هائل على كاهل العمل التجاري الناشئ حيث أن العديد من الخطوات التي يحاول تنفيذها الريادي تعتمد اعتماداً كثيفاً على الكلفة والوقت. وعليه، قد تثقل دورات الإنتاج أو الدورات اللوجستية كاهل الشركة الناشئة في بداياتها وتقود إلى تدنّي مستوى ما تقدمه الشركة لعملائها. 

لكن هذه التحديات التي نستعرضها هنا يمكن أن تتحول وبجدارة إلى مصدر للابتكار. هناك العديد من الطرق التي يمكنك من خلالها أن ترتقي ببعض الخطوات إلى المستوى الأمثل أو أن تتغلب عليها تماماً في سلسلة القيمة   الخاصة بعملك. من خلال تفعيل شبكة العلاقات الشخصية والمهنية لديك لتحديد فيما إذا كان حلفاؤك يقومون بخطوات السلسلة التي يمكن تكييفها لتلبّي احتياجات الريادي؛ أو من خلال إيجاد طريقة لخفض التكاليف الخاصة بنشاط واحد تحديداً من خلال تبسيطه ليكون بمستوى الضرورات الأساسية أو تحديد طريقة للالتفاف عليه بالكامل.

إلق نظرة على بعض الشركات الأكثر شهرة في الكوكب – لقد اختار العديد منها التخفيف من الأنشطة في    سلسلة القيمة والتي قد تفاجئك. فأكبر شركة في العالم لخدمات التكسي (أوبر Uber) لا تمتلك سيارات التاكسي. كما أن أكبر مزوّد لأماكن الإقامة وهو  AirBnB لا يملك أي عقار. ومالك وسيلة الإعلام الأكثر شعبية لا يُنتج أي محتوى – إنه الفيسبوك.

بالمناسبة،  يشير  مصطلح سلسلة القيمة   إلى مجموعة من الأنشطة التي يمكن للعمل التجاري تنفيذها لإنشاء قيمة لعملائه وفقاً للشخص الذي صاغ المصطلح وهو مايكل بورتر.  

إذا رغبت في التخفيف من الأنشطة التي تترتب عليها أي تكلفة، عليك أن تبدأ بتقدير مجمل سلسلة القيمة والتزويد لديك وأن تضع خريطة مدروسة جيداً تبين الأنشطة التي ينفذها عملك الناشئ حالياً. سوف يسمح لك هذا تحديد الخطوات غير الفاعلة أو ذات التكلفة على وجه الخصوص. بعدها، عليك أن تفهم الشيء الذي يؤديه عملك على أفضل مستوى – اسأل نفسك أين يتحقق أعلى مستوى من القيمة في عملك أو أين يمكن تحقيق هذا المستوى للعملاء؟ عند اعتماد استراتيجية التخلص من عنصر التكلفة، يكون هدف العمل الناشئ التركيز على نقاط القوة لديه وإظهارها بالإضافة إلى إيجاد بدائل لنقاط ضعفه (معالجة نقاط الضعف).

 من خلال التخفيف من الخطوات التي تعتمد اعتماداً كثيفاً على التكلفة أو تستغرق وقتاً طويلاً أو حتى التخلص منها ضمن  سلسلة القيمة، يمكنك استرجاع الموارد المهمة التي بالإمكان استخدامها لتعزيز النواحي الأخرى في نموذج العمل ورفع سويتها. فيما يلي بعض الأمثلة التي يمكنك توظيفها للتخفيف من الأنشطة ذات التكلفة المرتفعة ضمن السلسلة.

• وفقاً لمُقترًحٍ القيمة لديك، يمكنك أن تختار الالتفاف حول الوسيط من خلال البيع المباشر للعملاء (يمكن أن ينطبق هذا على المنتجات رفيعة المستوى أو التي تركز على العميل إلى جانب التسويق الجذاب)، أو السعي إلى العكس من خلال توزيع الأنشطة عبر عقود على العديد من الوكلاء القادرين والمعروفين لتنفيذها لديهم (يمكن لهذه الخطوة أن تكون خياراً جيداً للمنتجات العامة ذات الجذب الجماهيري الواسع النطاق).
• يمكنك أن تضخ استثماراً مقدماً في تقنية ما أو نظام تكنولوجيا معلومات يتيح لك التخلص من النشاط المرتفع التكلفة.
• قم بإخراج البائعين البطيئين من محفظة منتجاتك أو خدماتك وركّز على أولئك الذين أثبتوا أنهم يعملون لفئة كبيرة من العملاء حتى وإن لم يُلبّونها جميعاً.
• بالنسبة للأعمال المعتمدة على الإنتاج، يمكنك أن تبحث في أمر الاحتفاظ بمخزون مسبق الصنع داخل المستودع بحيث تطمئن أنك قادر على تلبية الطلب في جميع الأوقات.

قد يبدو – للوهلة الأولى – أنه من غير المنطقي التخلّي عن السيطرة على ما قد تعتبره ملمحاً مهمّاً من ملامح سلسلة القيمة  لتدخل في استثمار كبير اعتقاداً منك أنه يؤمن لك بديلاً لنشاط مرهق ضمن السلسلة أو إسقاط منتج لربما يكون له صدى لدى بعض عملائك. لكن هذا سيتيح لك المجال لأن تستردّ السيطرة بسرعة على شؤونك المالية واستخدامها في تطوير ودعم الأنشطة الأضعف ضمن سلسلتك أو الاستثمار في الارتقاء بخدمتك أو منتجك إلى المستوى الأمثل إلى جانب استراتيجية تسويق لعملائك.

هناك عدد قليل من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط يسعى إلى التخفيف من النفايات البلاستيكية من خلال جمعها في مصادرها وإتلافها بآلية التمزيق. في بعض الحالات، تجد أن الأعمال التجارية والمؤسسات تشترك في الخدمة مقابل رسم ما.

هناك نزعة لجمع النفايات في أكياس كبيرة ينتهي بها الأمر معبّأة بزجاجات بلاستيكية وغيرها من المواد البلاستيكية الصلبة التي تبقى بانتظار فتحها. يتطلب هذا الخيار إجراء العديد من مشاوير متكررة لجمع النفايات حيث أن الزجاجات والبلاستيك يحتل مساحة كبيرة ويتطلب فترات تخزين طويلة إلى أن يتم جمع كمية كافية لتبرير بيع كمية النفايات الكبيرة إلى عميل ما. في هذه الحالة، نتأكد أن الكلفة المترتبة على جمع هذه المواد البلاستيكية ونقلها مرتفعة للغاية.

لقد تغلبت بعض الأعمال الناشئة على هذا التحدّي من خلال تطوير حلول في الموقع لإتلاف النفايات البلاستيكية  بآلية التمزيق أو التخفيف من كميتها وهو ما يترتب عليه كلفة أقل من حيث مساحة التخزين وإيجار المستودعات. كما يسمح هذا لفريق جمع النفايات أن يجمع المزيد من الكميات في المرة الواحدة. تُعتبر هذه الحلول اللوجستية الابتكارية مثالاً ممتازاً على استراتيجية التخلّص من عناصر الكلفة.