دعوة للتدخل الإنساني المستدام

تحدث الازمات الإنسانية عندما تتجاوز الخسائر البشرية أو المادية أو الاقتصادية أو البيئية للكوارث الطبيعية أو الاضرار التي من صنع الإنسان قدرات المواجهة والتاقلم  لدى المجتمع المتضرر. فالشعوب تكافح من أجل البقاء على قيد الحياة في أوقات الازمات  المدمرة، والامراض الوبائية  ، والنزوح الجماعي، ونقص الامدادت من الاحتياجات الاساسية  (جوهانسن أند بيكابا 2009، جوهانسن وآخرون 2012، جورج 2014). وفي عام 2015، تم تشريد 65 مليون شخص بسبب النزاعات المسلحة، وأصبحوا في حاجة ماسة  إلى المساعدات الإنسانية( الأمم المتحدة 2016، مبادرات التنمية 2016 ).

وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا  حاليًا الأكثر تضررًا من عمليات النزوح البشري. وقد تسببت النزاعات  الأخيرة في  أزمة  نتيجة الهجرة القسرية الكبيرة  في المنطقة منذ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948. وتصاعد الموقف إلى أعلى مستوى من حالات الطوارئ الإنسانية حسب تصنيف الأمم المتحدة. ففي النزاع السوري وحده، قتل ما يقدر بنحو 400.000 شخص، وتم تهجير  11.8 مليون شخص آخر بالقوة (FDFA 2015, AL JAZEERA 2016, UNHCR 2016, UNICEF 2016؛ انظر الأزمة الإنسانية في الشرق الأوسط

ويعد توفير فرص كافية للوصول إلى خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية أحد القضايا الأكثر إلحاحًا في الاستجابة إلى للأزمات الإنسانية الطويلة والمفاجئة  لمنع الجفاف وتخفيض مخاطر الأمراض المعدية  التى تتنقل عن  طريق المياه والإسهال والكوليرا وغيرها (IOM 2017). صُممت التدخلات الإنسانية في مجال المیاه والصرف الصحي والنظافة الصحیة بحيث تضمن الحصول على میاه كافية صالحة للشرب، وتنظیف المرافق للتخلص الآمن من الفضلات، وإدارة النفایات والاغتسال، فضلًا عن الحصول على  مواد النظافة التي تحد من التھدیدات الصحیة. كما تهدف إلى تشجيع المجتمعات المحلية المتضررة على اتباع ممارسات النظافة الصحية الآمنة) (IOM 2017).

التدخل في إمدادات المياه في اليمن. المصدر: اللجنة الأوروبية، إكت. في سوديك (2017)

و تشمل التدخلات عادة إنشاء نُظم معالجة للمياه السطحية، واستخراج المياه الجوفية من المصادر الاَمنة ، ونقل المياه بالشاحنات، وتوزيع معدات تنقية المياه / الترشيح، وكذلك التدريب على طرق المعالجة عند نقاط الاستخدام، ومراقبة جودة المياه ، وبناء وصيانة مرافق الصرف الصحي، وإدارة التخلص او اعادة الاستخدام للنفايات الصلبة والسائلة، وتدريب المروجين للنظافة الصحية، وحملات التوعية بالنظافة الصحية، وتوزيع مواد النظافة (IOM 2017).

وبناء على طرق تقديم خدمات  المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية  فقد تدعم التنمية المستقبلية للمنطقة أو تقوضها  (الأمم المتحدة 2016). صُمم النظام الإنساني الدولي لمعالجة الظروف الاستثنائية: فهو يهدف إلى الحد فورًا من المعاناة وخسارة الأرواح في الظروف الصعبة التي تسببها أعمال العنف المتواصلة ويظهر فيها نقص عام في الموارد الكافية. كما يلخص KOPINAK الإغاثة الطارئة (2013) بأنها "سريعة الخطى، وفعالة ، وقصيرة الأجل، وتركز على تلبية الاحتياجات الأساسية الفورية ومنع الأمراض والوفيات». وحيث أن التمويل الإنساني يستهدف التأثيرات قصيرة الأمد، فإنه لا يسمح بتدخل الاستثمارات طويلة الأجل في الخدمات والقدرات وكثيرًا ما يتم إغفال الروابط بين الأهداف الأساسية والاعتبارات المستدامة أو تأجيلها (دلماير و باتينيت 2012؛ موسيلو وآخرون 2016 ). فعلى سبيل المثال، غالبًا ما تعتبر إدارة الصرف الصحي والمياه أمرًا ثانويًا (مقارنة بإمدادات المياه)وتميل هئيات الاعانة  إلى تنفيذ حلول معروفة قصيرة الأمد لاحتواء الفضلات دون النظر إلى الآثار طويلة الأجل) جوهانسن وآخرون 2012).

لكن في الواقع، أصبحت حالات الأزمات وانعدام الأمن هي القاعدة بالنسبة للشعوب في هذه البيئات وليست ظرفا استثنائيًا. ففي هذه الأزمات الممتدة أو المتكررة، فان الإغاثة على المدى القصير تماثل استخدام حل الإسعافات الأولية على مرض مزمن (جورجيفا وبريند 2015). وبالإضافة إلى ذلك، فإن مراحل الإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية كثيرا ما تتحرك بصورة غير متوقعة، في اتجاهات متعاكسة وبطريقة متداخلة بدلًا من أن يدعم بعضها بعضا في تتابع خطي. ويؤدي ذلك إلى اختلاف فى الافتراضات والقيم والمهام الأساسية وطرق عمل المجتمعات الإنسانية والمجتمعات الإنمائية.  الجهات الفاعلة الإنسانية تقع فى مفاضلة حرجة  بين تلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة وتعزيز التنمية المستدامة بنهج  طويل الأجل ومتعدد الأبعاد، مع مراعاة ومعالجة مجموعة كبيرة من من العوامل المعقدة في المشاريع الطويلة وباستخدام المراقبة الدقيقة ونظام تسجيل للبيانات (كوبيناك 2013، موسيلو وآخرون 2016). إهمال أي من التنمية وتلبية الاحتياجات العاجلة يؤثر سلبًا على فعالية المعونة ويضعف من حق التدخلات الإنسانية في إنقاذ الحياة (ماك لارنان 2012، جورج 2014).

هناك وعي كبير بشأن وجوب التغلب على المفاضلة بين المفاهيم، وأن المبادئ والممارسات ذات الصلة يجب أن تكون منسقة لتشكل ترابطا، حيث أن التنمية الأفضل تقلل من الحاجة إلى الإغاثة في حالات الطوارئ، وتسهم الإغاثة بشكل أفضل في التنمية وتحسين إعادة التأهيل يخفف الانتقال بين من الاغاثة الى التنمية (اللجنة الأوروبية لعام 1996 م في كوبيناك 2013). والهدف من ذلك هو توجيه المعونة الإنسانية نحو تنفيذ حلول مستدامة دون المساس أكثر من اللازم بمدى التدخل الفوري( جوهانسن وبيكابا 2009، موسيلو وآخرون 2016). يصف برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (2014) النظر في معايير الاستدامة "المسؤولية الإنسانية".

نموذج الدوائر الثلاث لنهج الربط بين الإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية. المصدر: الصليب الأحمر السويسري (2010).

  إن تطبيق نظرية "الربط بين الإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية" على  الواقع العملي أمرًا صعبًا، لأن الانتقال في المرحلة الأنسب يتطلب المعرفة والمهارات  الادارية  والحقلية  والمالية  للتكيف بمرونة مع السياق المحدد. وتتعقد الأمور نتيجة تفكير المانحين احيانا بالصمت على المشاريع التى تفتقر إلى الفهم اللازم أو الانتباه إلى الصورة الأكبر وتؤدي إلى توقف  الخدمات التي لا تتفق مع النموذج الشامل والانتقالي للربط بين الإغاثة وإعادة التأهيل والتنمية (KOPINAK, 2013). ويرجع عدم رغبة المانحين الدوليين في الاستثمار في المرافق الطويلة الأجل جزئيًا إلى عدم الاستقرار العام وعدم اليقين بشأن طول الفترة التي توجد فيها المخيمات. ويؤدي عدم الثبات الوظيفى  لفريق الإدارة داخل المنظمات الإنسانية إلى تعقيد الوضع (ديلماير و باتينيت 2012). بالإضافة إلى ذلك، هناك إخفاقات متكررة في تصميم البرامج (مثل تحليل غير الكافي للوضع المحلي والثقافة والقدرات، وعدم كفاية التشاور، وعدم وجود استراتيجية واضحة للانتقال، فضلًا عن عدم كفاية تخصيص الموارد للتشغيل والصيانة)والتى تعرقل الانتقال السلس والحلول المستدامة (كوبيناك 2013، جوهانسن وآخرون 2012).

تستدعى خطة التنمية الشاملة احيانا اتباع نهج شامل ومترابط لا يترك أحدا وراءه، فإن تلبية الاحتياجات الأساسية لم يعد كافيًا. وبدلًا من ذلك، يتعين على الجهات الفاعلة على الصعيد الدولي والوطني والمحلي العاملة في مجالات التنمية أو تغير المناخ أو المساواة بين الجنسين أو بناء السلام التعاون وأن تعمل معًا للحد من أوجه الضعف ومعالجة الأسباب الجذرية للصراعات والأزمات (الأمم المتحدة 2016). وتتطلب طبيعة الأزمات الإنسانية المعاصرة طويلة الأمد من الجهات الفاعلة الإنسانية أن تتبني أدوارًا جديدة (مثل معالجة عمليات النزوح المطولة، وسد الثغرات في شبكات الأمان الاجتماعي، والتعامل مع المستويات المتعددة وطبيعة العنف والمخاطر، وتعزيز التأهب، بالإضافة إلى مواكبة اتجاهات التحضر) (الأمم المتحدة 2016)

وفقًا للأمم المتحدة 2016 ، تتطلب الفعالية الإنسانية الأكبر خمسة تحولات شاملة في العقلية والممارسة:

•           التعزيز , لا يحل محل القدرات القائمة واستراتيجيات التكيف

•           الدخول فى اى حل والتعاون للحد من الحاجة الإنسانية

•           الاستفادة من الميزة النسبية

•           دراسة الموقف كامل ( 360 درجة )  بما في ذلك جميع الاحتياجات والمخاطر

•           قياس النتائج المشتركة للمسؤلية الجماعية

في حين أن هذه الاعتبارات صالحة لأي نوع من التدخل الإنساني، فإن التحول المعرفي نحو نموذج يساعد على تعزيز الاستجابة ويتكيف مع توقع الكوارث في المستقبل يجب أن يخترق التدخلات الإنسانية في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية. وبسبب السياقات المحددة للأزمات الإنسانية (التي يواجه كل منها تحديات وفرصًا مختلفة تتطلب مهارات وقدرات محددة)، لا يوجد حل جذري لتخطيط التدخلات المستدامة في مجال الصرف الصحي وإدارة المياه. ومع ذلك، توصي المنظمة الدولية للهجرة2017  بالمبادئ التالية لتحقيق الاستدامة الإنسانية والفعالية في المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية ولضمان بقاء عمل الأنظمة على المدى الطويل وأن تكون قوية بما فيه الكفاية لتفادي البيئات المتغيرة (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية 2014، جوهانسن وبيكابا 2009، جوهانسن وآخرون 2012):

•           البحث والاستفادة من التقنيات  القائمة للوضع الحالي.

•           تخطيط التقنيات الجديدة قبل التنفيذ على نطاق كامل.

•           استخدام المواد المحلية والقوى العاملة من المجتمع المستفيد عند الحاجة.

•           إشراك المجتمع المستفيد في تخطيط الخدمات المقدمة. من شأن ذلك أن ييسر تعزيز الملكية، وسيمكِّن المجتمع المستفيد من العناية بالبنية التحتية للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية ومسؤوليتها.

•            بناء القدرات وإنشاء لجان مجتمعية لإدارة خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة: وأفضل مثال على ذلك هو لجان إدارة المياه التي يدرب فيها أفراد المجتمع المحلي على إدارة وتشغيل وإصلاح وصيانة شبكات إمدادات المياه.

•           ضمان التوصيل العادل لخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (تلعب لجنة إدارة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية دورا رئيسيًا في ذلك حيث أن هناك أدوات للتخفيف من حدة النزاع عندما يكون الوصول مقيدًا).

وتعتبر البرمجة القائمة على السوق (توفير القسائم أو التحويلات النقدية بدلًا من الشراء بالجملة والتوزيع التقليدي) استجابة فعالة لتلبية احتياجات الأشخاص المتضررين. فالاستفادة من الأسواق المحلية لتقديم المساعدة يمكن أن تكمل التدخلات الإنمائية، فضلًا عن نظم الحماية المجتمعية القائمة في البلدان متوسطة الدخل مثل الشرق الأوسط. ولا تزال البرمجة القائمة على السوق في قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في مهدها، وهناك حاجة إلى مزيد من الأدلة التجريبية التي تبين فعاليتها . ويجب فهم الاحتياجات المحددة للسكان المتضررين جيدًا، فضلًا عن  المتطلبات داخل الأسرة وظروف السوق المحلية لكي تكون هذه التدخلات موظفة جيدا وكافية (خدمات الإغاثة الكاثوليكية وآخرون 2016).

وتوفر مجموعة الأدوات الحالية النهج والطرق الفعالة التي يمكن أن تساعد الممارسين الميدانيين في مجال المعونة الإنسانية على تعزيز فعالية واستدامة تدخلات المياه والصرف الصحي والصحة. ويشمل ذلك خيارات الصرف الصحي المناسبة، والحلول الممكنة لإمدادات المياه وتنقيتها، وأدوات التخطيط التي تدعم منظورًا أطول أجلًا، فضلًا عن نهج  تعزيز النظافة الصحية.

اقرأ المزيد

حول هذه الأدوات ومحتواها

الشركاء وراء هذه الأدوات

اقرأ المزيد عن خطوات الادارة المستدامة للمياه والصرف الصحي في الأزمات الإنسانية